فصل: الباب السادس: (في إثبات نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ودفع مطاعن القسيسين):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.الباب السادس: (في إثبات نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ودفع مطاعن القسيسين):

وهو مشتمل على فصلين:

.الفصَّل الأول: (في إثبات نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم):

وفيه ستة مسالك.

.(المسلك الأول: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم):

أنه ظهرت معجزات كثيرة على يده صلى اللّه عليه وسلم وأذكر نبذًا منها في هذا المسلك من القرآن والأحاديث الصحيحة بحذف الإسناد وأوردها في نوعين.
وقد عرفت في الفصل الثالث من الباب الخامس على أتم تفصيل أنه لا شناعة عقلًا ونقلًا في اعتبار الروايات اللسانية المشتملة على شروط الرواية المعتبرة عند علمائنا رحمهم اللّه تعالى.
وفيه نوعان:
أما:

.(النوع الأول) ففي بيان أخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة:

أما الماضية فكقصص الأنبياء عليهم السلام وقصص الأمم البالية من غير سماع من أحد ولا تلقن من كتاب كما عرفت في الأمر الرابع من الفصل الأول من الباب الخامس وقد أشير إليه بقوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا}.
والمخالفة التي وقعت بين القرآن وكتب أهل الكتاب في بيان بعض هذه القصص فقد عرفت حالها في الفصل الثاني من الباب الخامس في جواب الشبهة الثانية، وأما المستقبلة فكثيرة. عن حذيفة رضي اللّه عنه أنه قال: (قام فينا مقامًا فما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه وأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه) رواه البخاري ومسلم.
وقد عرفت في الأمر الثالث من الفصل الأول من الباب الخامس اثنين وعشرين خبرًا من الأخبار المندرجة في القرآن وقال اللّه تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إن نصر اللّه قريب}.
فوعد اللّه المسلمين في هذا القول بأنهم يزلزلون حتى يستقيؤه ويستنصروه. وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: (سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم). وقال أيضًا: (أن الأحزاب سائرون إليكم تسعًا أو عشرًا). فجاء الأحزاب كما وعد اللّه ورسوله وكانوا عشرة آلاف وحاصروا المسلمين وحاربوهم محاربة شديدة إلى مدة شهر وكان المسلمون في غاية الضيق والشدة والرعب وقالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وأيقنوا بالجنة والنصر. كما أخبر اللّه تعالى بقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا}. وقد خرج أئمة الحديث رضي اللّه عنهم:
1- أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر الصحابة بفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق.
2- وأن الأمن يظهر حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا اللّه.
3- وأن خيبر تفتح على يد علي رضي اللّه عنه في غد يومه.
4- وأنهم يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم.
5- وأن بنات فارس تخدمهم. وهذه الأمور كلها وقعت في زمن الصحابة رضي اللّه عنهم كما أخبر.
6- وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة.
7- وأن فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبدًا، والروم ذات قرون كلما هلك قرن خلف مكانه قرن أهل صخر وبحر هيهات آخر الدهر. والمراد بالروم الفرنج والنصارى وكان كما أخبر ما بقي من سلطنة الفرس أثر ما بخلاف الروم، فإن سلطنتهم وإن زالت عن الشام في عهد خلافة عمر رضي اللّه عنه وانهزم هرقل من الشام إلى أقصى بلاده لكن لم تزل سلطنتهم بالكلية بل كلما هلك قرن خلفه قرن آخر.
8- و: «أن اللّه زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها». والمعنى جمع اللّه لي الأرض مرة واحدة بتقريب بعيدها إلى قريبها حتى اطلعت على ما فيها، وستفتحها أمتي جزءًا فجزءًا حتى تمتلك جميع أجزائها، ولأجل تقييدها بمشارقها ومغاربها انتشرت ملته في المشارق والمغارب ما بين أرض الهند التي هي أقصى المشرق إلى بحر طنجة الذي في أقصى المغرب، ولم تنتشر في الجنوب والشمال مثل انتشارها في المشرق والمغرب، ولعل في إتيانهما بلفظ الجمع، وفي تقديم المشارق، إيماء إلى ما هنالك وإلى ظهور كثرة العلماء منهما بالنسبة إلى غيرهما، وأن علماء المشرق أكثر وأظهر من علماء المغرب.
9- و: «أنه لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة». وفي حديث آخر رواية أبي أمامة: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر اللّه وهم كذلك وقيل: يا رسول اللّه وأين هم قال: ببيت المقدس» والمراد عند جمهور العلماء بأهل الغرب أهل الشام لأنه غرب الحجاز بدلالة رواية وهم بالشام.
10- وأن الفتن لا تظهر ما دام عمر حيًّا وكان كما أخبر، وكان عمر رضي اللّه عنه سد باب الفتنة.
11- وأن المهدي رضي اللّه عنه يظهر.
12- وأن عيسى عليه السلام ينزل.
13- وأن الدجال يخرج.
وهذه الأمور الثلاثة ستظهر إن شاء اللّه تعالى واللّه أعلم.
14- أن عثمان يقتل وهو يقرأ في المصحف.
15- وأن أشقى الآخرين من يصبغ هذه من هذه. يعني لحية علي من دم رأسه، يعني يقتله.
وهما رضي اللّه عنهما استشهدا كما أخبر.
16- و: «أن عمارًا تقتله الفئة الباغية» فقتله أصحاب معاوية.
17- و: «أن الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا عضوضًا بعد ذلك» فكانت الخلافة الحقة كذلك بمضي مدة خلافة الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، لأن خلافة أبي بكر رضي اللّه عنه كانت سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يومًا، وخلافة عمر رضي اللّه عنه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي اللّه عنه إحدى عشرة سنة وإحدى عشر شهرًا وثمانية عشر يومًا، وخلافة علي رضي اللّه عنه أربع سنين وعشرة أشهر وتسعة أيام، وبتمامها خلافة الحسن رضي اللّه عنه.
18- وأن هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش والمراد يزيد وبنو مروان.
19- وأن الأنصار يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام، فلم يزل أمرهم يتفرق حتى لم يبق لهم جماعة. ووقع كما أخبر.
20- وأنه يكون في ثقيف كذاب ومبير أي مهلك، فرأوهما المختار والحجاج.
20- وأن الموتتين أي الوباء والطاعون يكون بعد فتح بيت المقدس، وكان هذا الوباء في خلافة عمر رضي اللّه عنه بعمواس من قرى بيت المقدس، وبها كان عسكره، وهو أول طاعون وقع في الإسلام مات به سبعون ألفًا في ثلاثة أيام.
22- وأنهم يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ففي الصحيحين: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان من خالات النبي صلى اللّه عليه وسلم من الرضاع وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يومًا فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك فقالت: ممَّ تضحك؟ قال: ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل اللّه يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة أو كالملوك على الأسرة. فقالت: ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال: أنت من الأولين. فركبت البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها بعد خروجها منه فهلكت».
23- وأن الإيمان لو كان منوطًا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس وفيه إشارة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي رحمه اللّه تعالى أيضًا.
24- وأن فاطمة أول أهله لحوقًا به فماتت رضي اللّه عنها بعد ستة أشهر من وفاته صلى اللّه عليه وسلم.
25- و: «أن ابني هذا-أي الحسن ابن علي رضي اللّه عنهما- سيد وسيصلح اللّه به بين فئتين عظيمتين» ووقع كما أخبر، فأصلح اللّه به بين أتباعه وأهل الشام.
26- وأن أبا ذر يعيش وحيدًا، ويموت. فكان كما أخبر.
27- (وأن أسرع أزواجه لحوقًا به أطولهن يدًا) فكانت زينب بنت جحش رضي اللّه عنها أسرعهن لحوقًا به لطول يدها بالصدقة.
28- (وأن الحسين بن علي رضي اللّه عنهما يقتل بالطف) وهو بفتح الطاء وتشديد الفاء مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات، والآن اشتهر بكربلاء، فاستشهد الحسين رضي اللّه عنه في الطف كما أخبر.
29- وقال لسراقة بن جعشم: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟».
فلما أتى بهما عمر رضي اللّه عنه ألبسهما إياه وقال: الحمد للّه الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة.
30- وقال لخالد رضي اللّه عنه حين وجهه لاكيدر: «إنك تجده يصيد البقر». فكان كما أخبر.
وفي حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عند الشيخين: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز يضيء لها أعناق الإبل ببصرى».
وقد خرجت نار عظيمة على قرب مرحلة من المدينة، وكان ابتداؤها يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت خفيفة إلى ليلة الثلاثاء بيومها، ثم ظهرت ظهورًا اشترك فيه الخاص والعام، ولعدم ظهورها ظهورًا معتدًا إلى يوم الثلاثاء خفي عن البعض وقال ابتداؤها كان ثالث الشهر، وفي يوم الأربعاء ظهرت ظهورًا شديدًا، واشتدت حركتها واضطربت الأرض بمن عليها، وارتفعت الأصوات لخالقها، ودامت آثار الحركة حتى أيقن أهل المدينة بوقوع الهلاك وزلزلوا زلزالًا شديدًا فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ثار في الجو دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع النار وعلا حتى غشى الأبصار، فسكنت بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف كشراريف الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه.
وكان يأتي المدينة ببركة النبي صلى اللّه عليه وسلم نسيم بارد. وكان انطفاؤها في السابع والعشرين من شهر رجب ليلة الإسراء والمعراج.
وللشيخ قطب الدين القسطلاني تأليف في بيان حال هذه النار سماه بحمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز. فهذا الخبر من الأخبار العظيمة أيضًا لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر بخروج هذه النار قبل ظهورها بمقدار ستمائة وخمسين سنة تقريبًا، وكتب في البخاري قبل ظهورها بمقدار أربعمائة سنة تقريبًا، وصحيح البخاري في غاية درجة القبول من زمان التأليف إلى هذا الحين حتى أخذ تسعون ألف رجل سنده من الإمام المرحوم بلا واسطة في مدة حياته فلا مجال لعناد معاند في تكذيب هذا الخبر الصريح الصادق.
وروى مسلم في كتاب الفتن من حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه في أمر الدجال من طريق أبي قتادة عن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري فقال: ألا يا عبد اللّه بن مسعود جاءت الساعة. قال: فقعد وكان متكئًا، فقال: «إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة. ثم قال: بيده هكذا ونحاها نحو الشام. فقال: عدو يجتمعون لأهل الشام ويجتمع لهم أهل الشام. قلت: الروم يعني. قال: نعم. ويكون عند ذلك القتال ردة شديدة أي هزيمة، فيشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية الإسلام فيجعل اللّه الدبرة عليهم (أي الروم) فيقتتلون مقتلة، أما قال: لا يرى مثلها، وأما قال: لم ير مثلها حتى أن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتًا فيتعاد بنو الأب، كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم. فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون...» الحديث. عصمنا اللّه من فتنة الدجال.
واعلم أن علماء بروتستنت على ما هو عادتهم يغلطون العوام باعتراضات مموهة على الإخبارات المستقبلة المندرجة في القرآن والحديث، فأنقل ههنا بعض الإخبارات المنسوبة إلى الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام عن كتبهم المقدسة ليعلم المخاطب أن اعتراضاتهم ليست بشيء، وليس غرضي سوء الاعتقاد في أقوال الأنبياء عليهم السلام لأنها ليست بثابتة الإسناد إليهم ثبوتًا قطعيًّا، بل حكمها حكم الروايات الضعيفة المروية بروايات الآحاد، فالغلط منها ليس بقولهم يقينًا والاعتراض عليه حق فأقول:
الأول: الخبر المنقول في الباب السادس من سفر التكوين.
والثاني: الخبر المنقول في الآية الثامنة من الباب السابع من كتاب أشعيا.
والثالث: الخبر المنقول في الباب التاسع والعشرين من كتاب أرمياء.
والرابع: الخبر المندرج في الباب السادس والعشرين من كتاب حزقيال.
والخامس: الخبر المندرج في الباب الثامن من كتاب دانيال.
والسادس: الخبر المندرج في الباب التاسع من الكتاب المذكور.
والسابع: الخبر المندرج في الباب الثاني عشر من الكتاب المذكور.
والثامن: الخبر المندرج في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني.
والتاسع: الخبر المندرج في الآية 39 و40 من الباب الثاني عشر من إنجيل متى.
والعاشر: الخبر المندرج في الآية السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من الباب السادس عشر من إنجيل متى.
والحادي عشر: الخبر المندرج في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى.
والثاني عشر: الخبر المندرج في الباب العاشر من إنجيل متى.
وكلها غلط كما عرفت هذه الأمور في الباب الأول، فإن أراد أحد منهم أن يعترض على أخباره من الإخبارات المستقبلة المندرجة في القرآن والحديث فعليه أن يبين أولًا صحة هذه الإخبارات المندرجة في كتبهم التي أشرت إليها الآن ثم يعترض.
وأما: